الفصل الأول: التعريف العام
يتلخص الاعتقاد النصراني في أن آدم – عليه السلام – أخطأ حين أكل من شجرة المعرفة المحرّمة؛ فطرده الله من الرحمة (حكم عليه بالموت حسب المفهوم النصراني)، وبذلك أصبحت البشرية كلها ملوثة بالخطيئة التي اقترفها آدم بأكله من الشجرة. ولكن من رحمة الله؛ أنه أرسل ابنه الوحيد ليُقتل على الصليب ليفتدي البشر ويزيل عنهم خطيئة آدم، فتجسد الابن في رحم مريم العذراء وتمت ولادته مرة ثانية. حيث ولد أولًا من الله قبل كل الخلائق حسب قانون الإيمان ولادة غير جسدية، وولد ثانيًا من مريم العذراء التي ولدته إلهًا وإنسانًا، وتم اعتبار السيدة مريم «أم الإله». وقد طهر «الروح القدس» مريم من الخطيئة قبل الولادة حتى يكون المولود مولودًا بدمٍ صافٍ نقيّ طاهر (لا يحمل خطيئة آدم) فيكون خير ما يقدم كفداء للبشرية.
أسس العقيدة المسيحية
أ. الله واحد، ولكن الله واحد في ثالوث.
ب. الآب إله، والابن (المسيح) إله، والروح القدس إله ([1])، ولكنهم إله واحد.
ج. تجسُد الإله (الابن)، وتحملُه آلام الصلب والموت؛ ليُخلص ويفتدي البشرية، ثم قيامته من الأموات وصعوده للسماء.
د. الخطيئة الأصلية (خطيئة آدم) ومبدأ توارث الخطيئة.
قوانين الإيمان المسيحية:
قوانين الإيمان هي التي تبين أصول الاعتقاد النصراني وما اتفق عليه الآباء الأوائل.
أ. قانون الإيمان النيقاوي:
اعتُمد بمجمع «نيقية» سنة 325 م وينص على ما يلي: “نؤمن بإله واحد (آب)، خالق السماء والأرض، كل ما يُرى وما لا يُرى، وبربٍّ واحدٍ وهو يسوع المسيح (ابن الله) الوحيد، المولود من (الآب) قبل كل الدهور، إله من إله، و نور من نور، و إله حق من إله حق، مولودٌ غير مخلوق، مساوٍ (للآب) في الجوهر، الذي به كان كل شيء، والذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد بروح القدس من مريم العذراء، وصار إنسانًا و صُلب عنا على عهد بيلاطس البنطي ([2])، تألـم ومات وقُبر، وقام في اليوم الثالث كما جاء في الكتب، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين (الآب) وسيأتي أيضًا بمجدٍ عظيم ليدين الأحياء والأموات الذي لا فناء لملكه”.
ب. قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني:
أضيفت الفقرة التالية لقانون الإيمان النيقاوي السابق وذلك عام 381م بمجمع القسطنطينية الأول لتؤكد ألوهية الروح القدس، وتم تغيير اسمه إلى «قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني».
“…وبالروح القدس الرب المحيي المنبثق من (الآب) و(الابن) ([3]) الذي هو مع (الآب) و(الابن) يُسجد له ويُمجد، الناطق بالأنبياء، وبكنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسولية، ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا، وننتظر قيامة الأموات والحياة في الدهر الآتي”.
الثالوث النصراني
تؤمن النصرانية بالثالوث الإلهي، الذي حسب قانون الإيمان أن الآب إله والابن إله والروح القدس إله، ولكنهم إله واحد. وأن هناك تمايز بينهم ولكنهم من نفس الجوهر.
والثالوث الإلهي يمثل معضلة في الإيمان المسيحي، حتى قال الكثير من آباء الكنيسة أنه فوق الفهم البشري.

الثالوث الإلهي كما تمثله المسيحية وتنشره الكتب والمواقع النصرانية.
الاعتقاد الإسلامي في النصرانية
تعتبر النصرانية حسب الإسلام هي الرسالة التي أُنزلت على عيسى عليه السلام، مكمِّلة لرسالة موسى عليه السلام، ومتممة لما جاء في التوراة من تعاليم موجهة إلى بني إسرائيل، داعية إلى التوحيد والفضيلة والتسامح. فبعدما زاغت بنو إسرائيل عن شريعة موسى عليه السلام، وغلبت عليهم النزعات المادية، افترقوا بسبب ذلك إلى فرق شتى، فمنهم من كان يؤمن بأن غاية الإنسان هي الحياة الدنيا، ومنهم من يعتقد أن الثواب والعقاب إنما يكونان في الدنيا فقط. كما شاع فيهم تقديم القرابين والنذور للهيكل؛ رجاء الحصول على المغفرة، وانتشر الاعتقاد بأن رضا الأحبار والرهبان ودعاءهم يضمن لهم الغفران؛ لذا فسدت عقيدتهم وأخلاقهم.
فأرسل الله عبده ورسوله عيسى بن مريم عليه السلام، وكانت أمه البتول مريم عابدة مخلصة لله تعالى، حملت به من غير زوج بقدرة الله تعالى، وأنطقه الله تعالى في المهد دليلًا على براءة أمه من بهتان بني إسرائيل لها بالزنى، فجاء ميلاده حدثًا عجيبًا على هذا النحو ليلقي بذلك درسًا لبني إسرائيل الذين غرقوا في الماديات، وفي ربط الأسباب بالمسببات، ليعلموا بأن الله تعالى على كل شيء قدير.
بعثه الله نبيًّا إلى بني إسرائيل وأنزل الله تعالى عليه الإنجيل، كما أيَّده الله تعالى بعدد من المعجزات الدالة على نبوته، فكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله.
وتآمر اليهود على قتله وأرسلوا الجند وراءه، فاختفى عيسى عليه السلام وأصحابه، إلا أن هناك من دلّ جند الرومان على مكانه وقبض الثمن، فألقى الله تعالى شَبَه عيسى عليه السلام وصورته عليه، ويقال: إنه يهوذا الإسخريوطي، وقيل: إنه واحد آخر من الحواريين، وقيل: إنه باختياره تطوع بأن يفتدي المسيح، فنُفِّذ حكم الصلب فيه بدلًا من عيسى عليه السلام حيث نجاه الله ورفعه إليه. ([4])
وانقسم النصارى بعد المسيح، واختفى إنجيل المسيح، وتمت كتابة العديد من الأناجيل، كما ظهرت طوائف تنادي بألوهية المسيح وتعارضت مع من ينادون بالتوحيد. وأقيمت بعد ذلك مجامع لتحكم في هذا الأمر فتم إقرار الألوهية للمسيح عام 325 م، وتم إقرار ألوهية الروح القدس عام 381 م.
فبذلك حسب الإسلام؛ فإن المسيحية الموجودة حاليًا والتي تنادي بألوهية المسيح وبالثالوث، لا تعتبر نابعة عن رسالة المسيح الأصلية، ولا تطبق تعاليمه التي أرسله الله بها. وأن الله تعالى أرسل محمدًا عليه الصلاة والسلام متمّمًا للرسائل السماوية، فكان بذلك آخر الأنبياء والمرسلين.
[1]() يُعرف النصارى الروح القدس أنه: روح الله، أو الرب المحيي، الذي وهب نسمة الحياة للخلائق، والملهم للأنبياء، والذي أحيا المسيح، وهو الذي يرشد الكنيسة إلى الحق، ويرشد الكتبة ليكتبوا الكلام المقدس بالوحي الإلهي. للمزيد: دائرة المعارف الكتابية، مجموعة محررين، دار الثقافة، مصر، 2001. حرف ر، مادة الروح القدس، جزء 4 ص 148؛ وقاموس الكتاب المقدس، مجمع الكنائس الشرقية، مجموعة من اللاهوتيين، مكتبة المشغل، بيروت، ط6، 1981، مادة (روح القدس)، ص 414.
[2]() كان الحاكم الروماني لمقاطعة «يهودا» بين عامي 26 إلى 36. وحسب ما هو مكتوب في الأناجيل الأربعة المعتمدة من قبل الكنيسة، فإنه قد تولى محاكمة المسيح، وأصدر الحكم بصلبه.
[3]() اختلفت المذاهب النصرانية فمنهم من قال: “منبثق من الآب والابن” ومنهم من قال: “منبثق من الآب فقط”.
[4]() رواية النصارى أن يهوذا وهو أحد الحواريين دل عليه، وقبض الثمن. أما رواية المسلمين فلم تعين اسمه، والذي دل عليه ليس من الحواريين، كما أن الذي صُلب، كان صالحًا مثله مثل بقية الحواريين، ووافق على إلقاء الشبه عليه. قال ابن كثير: ” فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ امْتَثَلَ مُتَولِّي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ذَلِكَ، وَذَهَبَ هُوَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي فِيهِ عِيسَى، عليه السلام، وَهُوَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، اثْنَا عَشَرَ أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ -وَقِيلَ: سَبْعَةَ عَشَرَ نَفَرًا-وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَحَصَرُوهُ هُنَالِكَ. فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ وَأَنَّهُ لَا مَحَالَةَ مِنْ دُخُولِهِمْ عَلَيْهِ، أَوْ خُرُوجِهِ عَلَيْهِمْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَيُّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي، وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟ فانتَدَب لِذَلِكَ شَابٌّ مِنْهُمْ، فَكَأَنَّهُ اسْتَصْغَرَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَهَا ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَنْتَدبُ إِلَّا ذَلِكَ الشَّابُّ -فَقَالَ: أَنْتَ هُوَ-وَأَلْقَى اللهُ عليه شبه عيسى، حتى كأنه هو وفُتحَت رَوْزَنَة مِنْ سَقْفِ الْبَيْتِ، وَأَخَذَتْ عِيسَى عليه السلام سِنةٌ مِنَ النَّوْمِ، فَرُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آلِ عِمْرَانَ: 55]”، ينظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ، دار ابن حزم، لبنان، 2000: (2/448).