ثانيًا: أهم الفرق النصرانية

أولًا: الفرق المسيحية القديمة “قبل القرن الرابع الميلادي”

أ‌.      المتبنيون اليهود – المسيحيون “Jewish-Christian Adoptionists

            هم مجموعة من اليهود كانوا يعيشون في فلسطين في القرن الثاني الميلادي، آمنوا بالمسيح. وقد أكد هؤلاء المؤمنون أن يسوع كان رجلًا رائعًا، وبارًا في الشريعة اليهودية أكثر من أي شخص آخر، واختاره الله ليكون ابنه “وذلك حسب مفهوم البنوة في اليهودية، بأنه انتقاء وصلاح وليس بنوة حقيقية”. وقد نال يسوع البنوة عند معموديته، عندما خرج من مياه نهر الأردن، رأى السماء تنفتح وروح الله ينزل عليه مثل حمامة، بينما قال صوت من السماء، “أنت ابني، أنا اليوم قد أنجبتك”.

وفقًا لهذه المجموعة لم يكن المسيح إلهًا، ولكنه كان رجلًا صالحًا، وليس أكثر من رجل. لم يكن لدى هؤلاء المسيحيين في القرن الثاني قانونًا للعهد الجديد (الكتاب المقدس عند النصارى حاليًا)، ولم يعرفوا كتب العهد الجديد كما هي الآن.

ب. المسيحيون الماركونيون “Marcionites

مجموعة مسيحية أخرى كانت منتشرة في معظم أنحاء البحر الأبيض المتوسط ​​في منتصف القرن الثاني إلى أواخره، مع ازدهار أعداد كبيرة من الكنائس خاصة في آسيا الصغرى. أطلق عليهم خصومهم اسم الماركونيين لأنهم اعتنقوا شكل المسيحية الذي قدمه عالم القرن الثاني والمبشر ماركيون Marcion، الذي ادعى بنفسه أنه كشف التعاليم الحقيقية للمسيحية في كتابات بولس.

وفي تناقض حاد مع “المسيحيين – اليهود”، أكد ماركيون أن بولس هو الرسول الحقيقي، الذي ظهر له المسيح بشكل خاص بعد قيامته لنقل حقيقة الإنجيل.

بالنسبة الى الماركونيين فإن هناك إلهين منفصلين وغير مرتبطان، إله اليهود وإله يسوع. أكد المسيحيون الماركانيون أن يسوع لم يكن ينتمي إلى إله اليهود العادل والغاضب، الإله الذي خلق العالم واختار إسرائيل ليكونوا شعبه المميز. في الواقع، جاء يسوع ليخلص الناس من هذا الإله. لذلك لم يولد يسوع في الواقع ولم يكن له جسد حقيقي من لحم ودم. ولكن بصفته الإله الحقيقي نفسه، أتى إلى الأرض ليخلص الناس من إله اليهود المنتقم، فلم يولد يسوع أبدًا، ولم يجوع أو عطش أو يتعب، ولم ينزف أو يموت أبدًا، فقد كان جسد يسوع وهمًا.

وبحسب ماركيون، فإنه في حين أن الإله اليهودي يعاقب أولئك الذين يعصون، فإن إله يسوع يمد الرحمة والمغفرة؛ وفي حين أن إله اليهود يقول “العين بالعين والسن بالسن”، يقول إله يسوع أن “يدير الخد الآخر” لمن ضربه.

التناقضات بين “المسيحيين – اليهود” والماركونيين صارخة، فقد قالت إحدى المجموعات أن يسوع كان إنسانًا تمامًا وليس إلهًا وأن هناك إلهًا واحدًا فقط، وقالت المجموعة الأخرى إنه كان إلهًا تمامًا وليس إنسانًا، وأن هناك في الواقع إلهين.

قالت أحداهما أن الإله الحقيقي خلق العالم، ودعا بني إسرائيل ليكونوا شعبه، وأعطاهم الشريعة، وقالت الأخرى إن الإله الحقيقي لم يكن له أي تعامل مع العالم أو مع إسرائيل. وبينما حثت إحدى المجموعات المؤمنين على اتباع الشريعة اليهودية، جادلت المجموعة الأخرى بضرورة رفضها تمامًا. اعتبرت كلتا المجموعتان نفسيهما مسيحيين حقيقيين.

ج. المسيحيون الغنوصيون

كان الغنوصيون أنفسهم متنوعين إلى حد كبير، مع مجموعات مختلفة تؤمن بأشياء مختلفة جذريًا. اتفق بعض الغنوصيين مع ماركيون على أن يسوع كان إلهًا تمامًا وليس بشريًا على الإطلاق، ومع ذلك، ادعى آخرون أن يسوع المسيح يمثل كائنين متميزين، يسوع البشري والمسيح الإلهي.

بينما هؤلاء الغنوصيون اتفقوا مع “المتبنيون اليهود-المسيحيين” على أن يسوع كان أكثر الرجال الصالحين على وجه الأرض وأن شيئًا مميزًا قد حدث في معموديته. لكنهم لم يظنوا أن الله تبناه ليكون ابنه. وبدلًا من ذلك، أكدوا أن معموديته هي اللحظة التي جاء فيها الكائن الإلهي إلى الإنسان يسوع، مما مكنه من الشفاء، وبداية خدمته التعليمية.

ولكن من كان هذا المسيح الإلهي؟ بالنسبة للعديد من الغنوصيين، كان أحد الآلهة التي تكون العالم الإلهي. على عكس “المسيحيين –اليهود” الذين أكدوا أن هناك إلهًا واحدًا فقط أو الماركونيين الذين ادعوا أن هناك اثنين، فقد قبل الغنوصيون وجود العديد من الآلهة، ففي بعض الأنظمة الغنوصية التي نعرفها كان هناك 30 إلهًا مختلفًا!

د. المسيحيون “الأرثوذكس الأوليون” “Proto-Orthodox Christians”

يمثل المسيحيون “الأرثوذكس الأوليون” أسلاف المجموعة التي أصبحت الشكل السائد للمسيحية في القرون اللاحقة (ومن هنا جاءت البادئة “البروتو” “أولي”). عندما حصلت هذه المجموعة في وقت لاحق على المزيد من المتحولين أكثر من أي من الأخرين وخنقت على معارضيها، ادعت أن آراءها كانت دائمًا هي موقف الأغلبية وأن منافسيها كانوا دائمًا: “زنادقة أو مبتدعين أو مهرقطين”.

اعتقد المسيحيون الأرثوذكس البدائيون أن المسيح كان إلهًا وإنسانًا بالكامل في كائن واحد. فاتفق المسيحيون الأرثوذكس البدائيون مع “المسيحيين – اليهود” في أن يسوع كان إنسانًا بالكامل، لكنهم اختلفوا عندما قالوا إنه إله. واتفقوا مع الماركانيين في أن يسوع كان إلهًا بالكامل، لكنهم اختلفوا عندما قالوا إنه إنسان. كما اتفقوا مع الغنوصيين في أن يسوع المسيح علّم طريق الخلاص، لكنهم اختلفوا عندما قالوا إنه كائن واحد ليس أكثر، وعندما زعموا أن تعاليمه الحقيقية لم تكن سرية.

باختصار، جادل المسيحيون الأرثوذكس البدائيين بأن يسوع المسيح كان إلهًا وإنسانًا، وأنه كان كائنًا واحدًا بدلاً من اثنين، وأنه علم تلاميذه الحقيقة. وزعموا أن الرسل كتبوا تعاليم يسوع، وأن الكتب التي تم نقلها من الرسل إلى أتباعهم كشفت الحقيقة الضرورية للخلاص عند تفسيرها بطريقة مباشرة وحرفية. قد تبدو هذه الآراء مألوفة للقراء، لأن الجانب الذي يحمل هذه الآراء فاز بالمناقشات وحدد شكل المسيحية حتى يومنا هذا.

حاول موقف الأرثوذكس الأوليين، إذن، مواجهة مزاعم الجماعات التي عارضوها. كان هذا يعني جزئيًا أن المجموعة الأرثوذكسية الأولية كان عليها أن ترفض بعض الوثائق التي قيل إن الرسل كتبتها، ولكن تلك المعتقدات المتقدمة تتعارض مع هذه الكتب، مثل إنجيل بطرس وإنجيل فيليب وإنجيل توما.

نظرًا لأن المجموعة الأرثوذكسية الأولية كانت تمثل الحزب الذي أصبح مهيمنًا في النهاية في المسيحية (بحلول القرن الرابع على الأقل)، فقد ورث المسيحيون من جميع الأجيال اللاحقة قانونهم الكتابي، بدلًا من الشرائع التي يدعمها خصومهم. ([1])

ثانيًا: الفرق المسيحية بعد القرن الرابع الميلادي ([2]).

نشأت خلافات كثيرة بعد المسيح عليه السلام بين أتباعه، وكانت الطريقة المتبعة لحل كل خلاف هو عمل اجتماع يحضره الأساقفة لوضع قانون نهائي أو رأي فاصل فيه. وكانت النتيجة النهائية لكل مجمع هي إما موافقة الجميع على القانون فيصبح أساسيًا في التشريع النصراني، أو أن يحدث خلاف على القانون فينتج عنه انشقاق في صفوف الكنيسة.

والمجامع نوعان:

  1. مجمع مسكوني أي عالمي (نسبة إلى الأرض المسكونة).
  2. مجمع محلي.

وأول مجمع عقد كان في أورشليم برياسة الأسقف «يعقوب الرسول» للنظر في ختان غير اليهود.

أهم المجامع:

1. مجمع «نيقية» سنة 325م.

عُقد هذا المجمع لمناقشة الخلاف حول ألوهية المسيح؛ فقد نادى بعضهم بألوهية المسيح ورفضها بعضهم منهم آريوس وأتباعه، مما دعا الإمبراطور «قسطنطين الكبير» وهو أول من آمن مِن أباطرة الرومان بالنصرانية، دعا جميع كنائس المسكونة للاجتماع.

اتخذ في المجمع قرارات أهمها:

(أ) القول بألوهية المسيح ونزوله ليصلب تكفيرًا عن خطيئة البشر.

(ب) اختار المجمع الكتب وبعض الرسائل لتكوين الكتاب المقدس، وتدمير ما عداها من رسائل وأناجيل.

(ج) إصدار قانون الإيمان النيقاوي.

2. مجمع «القسطنطينية الأول» سنة 381م.

عُقد لمناقشة ألوهية الروح القدس وبحثها، فقد نادى «مكدونيوس» أسقف القسطنطينية بأن الروح القدس مخلوق مثل الملائكة، فتم عقد المجمع لمناقشة الموضوع، وكانت أهم قرارات المجمع:

(أ) اعتبار الروح القدس إلهًا.

(ب) إضافة الجزء الثاني من قانون الإيمان الذي بدايته: “نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب” … إلخ.

وبذلك اكتمل الثالوث بألوهية الابن في مجمع «نيقية»، وألوهية الروح القدس في مجمع «القسطنطسنية».

3.    مجمع «أفسس الأول» سنة 431 م.

أنكر «نسطور» أسقف القسطنطينية ألوهية المسيح، وبدأ بإنكار كون السيدة العذراء والدة الإله قائلًا: إن مريم لم تلد إلهًا بل ما يولد من الجسد ليس إلا جسدًا، وما يولد من الروح فهو روح، فالعذراء ولدت إنسانًا عبارة عن آلة للاهوت، وذهب إلى أن المسيح لم يكن إلهًا في حد ذاته بل هو إنسان مملوء بالبركة أو هو مُلهم من الله لم يرتكب خطية.

فتم عمل مجمع لمناقشة هذه الأمور وأصدر المجمع القرارات التالية:

(أ) المسيح له طبيعة واحدة ومشيئة واحدة، طبيعة إلهية ممزوجة بطبيعة بشرية لا ينفصلان، ومشيئة وإرادة بشرية وإلهية لا ينفصلان.

(ب) أن العذراء ولدت إلهًا وتدعى لذلك أم الإله.

(ج) وضع مقدمة قانون الإيمان الذي بدايته: «نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله… إلخ».

نتيجة للخلاف حول: هل المسيح له طبيعة واحدة أم طبيعتان، مشيئة واحدة أم مشيئتان تم عقد العديد من المجامع، ونشأت الفرق بين الطوائف كما يلي: ([3])

4. مجمع «أفسس الثاني» سنة 449م.

زعم رئيس دير في «القسطنطينية» أن جسد المسيح مع كونه جسدًا إلا أنه ليس مساويًا لجسدنا في الجوهر؛ لأن الطبيعة الإلهية لاشت الطبيعة البشرية، وهذا معناه أن اللاهوت أي (الصفات الإلهية) اختلطت وامتزجت بالناسوت (الصفات البشرية).

وهنا بداية الاختلافات الكبرى بين الفرق المتواجدة الآن:

تم عمل مجمع لمناقشة الموضوع ورفض المجمع رأي رئيس الدير وأيد الرأي القائل: «إن اللاهوت اتحد بالناسوت ولكن بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير» مما يعني اتحاد صفات الإله مع صفات الإنسان بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير وهو رأي «الأرثوذكس» حاليًا.

ولم يقبل بابا روما القرار وتم عقد مجمع آخر فيما بعد «مجمع خلقيدونية» لمن رفضوا القرار السابق واتفقوا في هذا المجمع على: أن اللاهوت والناسوت لم يتحدا مع بعضهما.

واتفقت باقي الأطراف عدا الأرثوذكس على أن للمسيح طبيعتان ومشيئتان. وأصبحت الكنيسة الأرثوذكسية لا تعترف بأي مجمعات بعد مجمع «أفسس الثاني» 449 م، بينما لا تعترف باقي الكنائس بمجمع «أفسس الثاني» 449 م السابق.

5. مجمع «خلقيدونية» سنة 451م – (باقي الطوائف عدا الأرثوذكس).

واتخذ قرارات أهمها:

(أ) إلغاء قرارات المجمع السابق والذي كان ينص على أن (اللاهوت اختلط مع الناسوت).

(ب) اعتبر أن للمسيح طبيعتان ومشيئتان.

وبذلك انقسمت النصرانية إلى فرقتين رئيسيتين:

  1. (الطائفة الأولى) الأرثوذكس (الكنائس الشرقية).

وهذه الطائفة يعتقدون أن للمسيح طبيعة واحدة، ومشيئة واحدة. أي «اتحاد الصفات الإلهية مع البشرية بلا اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير في المسيح».

واستمر الأرثوذكس بلا انشقاق حتى الآن.

  • (الطائفة الثانية) الكاثوليك (المذهب الملكاني).

وهذه الطائفة يعتقدون أن للمسيح طبيعتان ومشيئتان.

انقسام آخر بظهور «طائفة المارون»:

انشقت فئة عن الكاثوليك تزعمهم «يوحنا مارون» سنة (667 م)، والذي ذهب إلى أن للمسيح طبيعتان ولكن له مشيئة واحدة، فأقيم مجمع لمناقشة الفكرة.

6. مجمع «القسطنطينية الثاني» 680 ميلادية.

قرر أن للمسيح طبيعتان ومشيئتان وكفّر أتباع «طائفة المارون» وتمت مطاردة «طائفة المارون» حتى استقروا في جبال لبنان، وأطلق عليهم المارونيون ولهم بطريرك بلبنان، وظلوا مستقلين في مذهبهم إلى أن أعلنوا الولاء لكنيسة روما (الكاثوليك) عام 1182م مع بقائهم على مذهبهم.

وبذلك أصبحت الفرق ثلاثة:

 الأرثوذكس: للمسيح طبيعة واحدة ومشيئة واحدة.

الكاثوليك: للمسيح طبيعتان ومشيئتان.

المارون: للمسيح طبيعتان ومشيئة واحدة.

بعد ذلك حدث انشقاق داخل الكاثوليك أنفسهم بين «كنيسة روما» و«كنيسة القسطنطينية» حول إضافة كلمة (ابن) لقانون الإيمان.

فقانون الإيمان الذي ينص على أن «الروح القدس منبثق من الآب»، أضافت له كنيسة روما «والابن»؛ أي إنهم غيروا في قانون الإيمان «النيقاوي القسطنطيني» إلى: «نؤمن…وبالروح القدس الرب المحيي، المنبثق من الآب والابن».

لذا أقامت كنيسة القسطنطينية مجمع «القسطنطينية الثالث» الذي رفض رأي كنيسة روما.

7. مجمع القسطنطينية الثالث 879 ميلادية.

قرر أن الروح القدس منبثق من الآب فقط، وهذا مخالف لما أقرته كنيسة روما، فحدث الانفصال داخل الكاثوليك إلى:

أ. كنيسة روما وتسمى الكاثوليكية أو اللاتينية أو الغربية أو الملكانية.

ب. كنيسة القسطنطينية وتسمى الروم أرثوذوكس أو الكنيسة اليونانية.

وبذلك أصبحت الفرق الرئيسية أربعة:

(الأولى) أرثوذكس تقول: إن للمسيح طبيعة واحدة، وأن الروح القدس من الآب فقط.

(الثانية) كاثوليك تقول: إن للمسيح طبيعتان ومشيئتان، وأن الروح القدس من الآب والابن معًا.

(الثالثة) الروم أرثوذكس تقول: إن للمسيح طبيعتان ومشيئتان، وأن الروح القدس من الآب فقط.

(الرابعة) المارون تقول: إن للمسيح طبيعتان ومشيئة واحدة.

ثم أصبح لكل فرقة من الفرق تشريعاتها الخاصة ومجْمعاتها الخاصة، فعلى سبيل المثال: أقامت الكنيسة الكاثوليكية (روما) المجمعات التالية:

– مجمع «رومة» 1225م (خاص بالكاثوليك): تقرر فيه أن الكنيسة البابوية الكاثوليكية تملك الغفران وتمنحه لمن تشاء.

– مجمع «رومة» 1869 (خاص بالكاثوليك): تقرر فيه أن البابا معصوم.

نشأة طائفة البروتستانت:

وجهت كنيسة روما كل مجهوداتها نحو السياسة والسيطرة على الأباطرة وإخضاعهم تحت سلطانها، فأدى هذا إلى نزاع شديد بين السلطتين الدينية والسلطة الحاكمة، وكان نتيجته ضعف البابوية وانحلالها. نتج عن هذا الوضع بعض الحركات الإصلاحية المعارضة، كان أبرزها حركة «مارتن لوثر» في القرن السادس عشر. وهو الذي انشق عن الكنيسة الكاثوليكية وكوّن الكنيسة البروتستانتية. وقد كان «لوثر» راهبًا كاثوليكيًا وأستاذًا لعلوم الدين في جامعة “ويتنبرج” بألمانيا وراعيًا لكنيستها، وأعلن معارضته للبابا وخروجه عن الكنيسة الكاثوليكية.

ثم أعلن فيما بعد أن البابوية ليست ذات مصدر إلهي، وعندما استدعاه البابا إلى روما رفض ذلك، ثم زاد في عناده فكان من جرّاء هذا أن جرّمه البابا سنة 1526م، وأمر بإحراق كل كتاباته.

أسس المذهب البروتستانتي:

1. الكتاب المقدس هو المصدر الأعلى وليس تعاليم الباباوات.

2. الكتاب المقدس يُفسر حرفيًا وليس مجازيًا.

3. يتاح لكل مسيحي تفسير الكتاب المقدس.

وينقسم البروتستانت إلى العديد من الطوائف: مثل معمدانية ومنهجية ومتحدة وأسقفية ولوثرية ومشيخية ومورمونية وإصلاحية وسبتية وغيرها.

أهم الخلافات بين الأرثوذكس “الكنيسة الشرقية” وبين الكاثوليك “كنيسة روما” هي:

أ. يعتقد الكاثوليك بالطبيعتين والمشيئتين في المسيح، بينما يؤمن الأرثوذكس بطبيعة واحدة، ومشيئة واحدة.

ب. يؤمن الكاثوليك بانبثاق الروح القدس من الآب والابن، بينما الأرثوذكس يؤمنون بانبثاقها من الآب فقط.

 ج. يعتقد الكاثوليك أن العذراء نفسها وُلدت وهي لا تحمل الخطيئة الأصلية (عقيدة الحبل بلا دنس)، عكس الأرثوذكس الذين يقولون: إن الروح القدس طهرها ولكن كان يلزم لها الفداء أيضًا.

د. يغالي الكاثوليك في مريم العذراء عن باقي الطوائف، ويؤمنون أن العذراء شريكة في عمل الفداء، وأنه لا تأتي نعمة إلى البشر إلا عن طريق العذراء ويسمونها «سيدة المطهر»، ويؤمنون بعصمة العذراء الكاملة من الخطأ.

ه. يؤمن الكاثوليك بعصمة البابا وبرئاسة روما للكنائس النصرانية في العالم كله، وهذا ما لا يقبله الأرثوذكس وغيرهم من الطوائف.

و. قام الكاثوليك بتبرئة اليهود من دم المسيح في (المجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1975م).

أهم الخلافات بين الأرثوذكس “الكنيسة الشرقية” والبروتستانت:

أ. يعتقد البروتستانت بالطبيعتين والمشيئتين في المسيح مثل الكاثوليك، وخلافًا عن الأرثوذكس.

ب. يؤمن البروتستانت بانبثاق الروح القدس من الآب والابن مثل الكاثوليك، وخلافًا عن الأرثوذكس.

ج. لا يؤمن البروتستانت بالاعتراف على يد كاهن، ويعترفون لله مباشرة خلافًا للكاثوليك والأرثوذكس.

د. لا يؤمن البروتستانت بسر الإفخارستيا (التناول – الاستحالة)، فلا قداس، ولا ذبيحة إلهية، ولا إيمان بتحويل الخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح، خلافًا للكاثوليك والأرثوذكس؛ حيث تؤمن كل الكنائس خلافًا للبروتستانت؛ أنه بعد تلاوة الصلوات من القس في الكنيسة، يتحول الخبز إلى جسد المسيح والخمر إلى دم المسيح، فمن أكل الخبز فقد أكل المسيح “الرب”، وأصبح الرب في داخله، ومن شرب الخمر، فقد شرب من دم المسيح “الرب” وأصبح دم المسيح يجري في عروقه.

ه. حذف البروتستانت بعض الأسفار “الأسفار الثانية” من طبعتهم الخاصة للكتاب المقدس ودعوها: “أبوكريفا” أي المنحولة أو المختلقة.

و. يؤمن البروتستانت «بالحكم الألفي» أي: أن المسيح سيعود ليحكم لمدة ألف سنة خلافًا للكاثوليك والأرثوذكس.

ز. لا يؤمن البروتستانت باستمرار عذرية السيدة مريم حيث إنها عندهم تزوجت وأنجبت، وهذا خلافًا لاعتقاد الكاثوليك والأرثوذكس.

ح. لا يؤمن البروتستانت بسلطة البابا، ويعتقدون أن الكتاب المقدس يفسر حرفيًا، ومن حق كل نصراني تفسيره، خلافًا للكاثوليك والأرثوذكس.

ط. لا يطبق البروتستانت الطقوس والصيام غير الموجود بالكتاب المقدس، خلافًا للكاثوليك والأرثوذكس.

تداعيات ظهور طائفة البروتستانت:

نتيجة لظهور المذهب البروتستانتي الذي لا يعترف بسلطة البابا، شن الباباوات حروبًا على معتنقي هذا المذهب، وحصدت فيها عشرات الملايين، وكان من ضمن الحروب:

1. الحروب الدينية في فرنسا التي استمرت زهاء ما يزيد على أربعين عامًا خلال القرن السادس عشر، وكان من ضمنها مذبحة «سان بارتليميو» في 24 أغسطس عام 1572م (St. Bartholomew’s Day massacre)، حيث انقض الكاثوليك بمباركة البابا «جريجوري الثالث عشر» على البروتستانت أثناء إحدى الأعياد، وذبحوا منهم الآلاف، وشنقوا العديد على أغصان الشجر. وبلغ عدد القتلى من مصادر البروتستانت في هذه المذبحة 30 ألف قتيل، أما الكاثوليك فيدعون أن عدد القتلى بلغ ألفين فقط ([4]).

ب. حاول الإنجليز إخضاع إيرلندا دينيًا بفرض المذهب البروتستانتي اعتبارًا من 1536م، واستمرت الحروب بين الكاثوليك والبروتستانت حتى القرن الثامن عشر.

ج. حرب الثلاثين عامًا الدينية بين البروتستانت والكاثوليك في ألمانيا من (1618م-1648م) والتي هبطت بسكان ألمانيا من 20 مليون نسمة إلى 13.5 مليون نسمة حسب موسوعة قصة الحضارة ([5]).

د. الحرب الأهلية في أسبانيا (1936م-1939م) تعد من آخر الحروب التي نشأت بين الكاثوليك والبروتستانت، وقد بلغ عدد القتلى فيها 306 ألف شخص، وتم ذبح رجال الدين الكاثوليك، فقتل في الحرب نحو 6845 رجل دين كاثوليكي ([6]).

كما تزامن مع ظهور البروتستانت عمل تراجم للكتاب المقدس وانتشارها نتيجة للمبادئ التي نادى بها البروتستانت، وأهمها حق القراءة والتفسير للكتاب المقدس، فأصبح العهد القديم الذي كان حبيس الأديرة والصوامع لقرون عديدة هو المرجع الأعلى لفهم العقيدة النصرانية وبلورتها، وبالتالي تسّربت الروح العبرية اليهودية إلى الفنون والآداب، وحلت قصص العهد القديم وتفسيراته محل المسرحيات التي كانت تمثل حياة القديسين.

ونتج عن هذا تسرب العديد من الأفكار للفكر الغربي المسيحي مثل:

أ. اليهود هم شعب الله المختار.

ب. الارتباط الميثاقي الإلهي بين اليهود وبين فلسطين منذ عهد الله لإبراهيم حتى قيام الساعة.

ج. ربط الإيمان المسيحي الخاص بعودة المسيح بقيام دولة صهيون، أي بإعادة تجميع اليهود في فلسطين حتى يظهر المسيح فيهم ([7]).

كتب «مارتن لوثر» (منشئ البروتستانت) في كتابه «المسيح ولد يهوديا» في عام 1523:

«اليهود هم أبناء الرب ونحن الضيوف الغرباء… وعلينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل مما يتساقط من فتات مائدة أسيادها، تمامًا كالمرأة الكنعانية» ([8]).

فقد ورد ما يدل على ذلك في الإنجيل: أن امرأة كنعانية «فلسطينية» طلبت من المسيح الشفاء لابنتها، فقال لها المسيح: «لم أُبعث إلا إلى خراف بني إسرائيل» فقالت له: ولكن الكلاب أيضًا تأكل مما يتساقط من مائدة أسيادها. (أي أن الأسياد هم اليهود والكلاب هم غير اليهود).

والنص كما يلي في إنجيل (متى 15: 22) «وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ: «ارْحَمْنِي يَا سَيِّدُ يَا ابْنَ دَاوُدَ. ابْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا» … 24 فَأَجَابَ: «لَمْ أُرْسَلْ إلَّا إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إسرائيل الضَّالَّةِ».  25: فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ أَعِنِّي». 26: فَأَجَابَ: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ». 27: فَقَالَتْ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا».

الجدير بالذكر أنه يشكل (معتنقو البروتستانت 60 – 62 %) من نسبة سكان أمريكا، و(الكاثوليك 25-27 %) ([9]).

            الجدير بالذكر أن مارتن لوثر قد تراجع عن تأييد اليهود، وكتب كتابًا بعنوان “أكاذيب اليهود” في عام 1543، ولكن الاتجاه العام أصبح في صالح اليهود مع الكنيسة البروتستانتية.

وفيما يلي أهم الاختلافات بين الفرق النصرانية:

 المعموديةالأرثوذكس: سر يحصل به المعمد على نعمة الميلاد الجديد، وهو باب كل الأسرار، ويتم بالتغطيس للصغار والكبار، ومادة السر الماء.
الكاثوليك: يجوز العماد بالرش أو السَّكب.
البروتستانت: ليس سرًا مقدسًا بل علامة يجوز ممارستها بالرش أو التغطيس.
 الاعترافالأرثوذكس: سر ينال به المعترف الحل من خطاياه إذا تاب عنها واعترف بها.
الكاثوليك: كانت هناك صكوك غفران تُباع وتُشْتَرَى عن الخطايا السابقة والحالية في العصور الوسطى. ويتم السر وراء الستار.
البروتستانت: لا اعتراف إلا أمام من أخطأ المؤمن له أو أمام الكنيسة كلها أو الله مباشرة.
 التناول في القداسالأرثوذكس: جسد ودم حقيقيان للمسيح بعد حلول الروح القدس على الخبز والخمر.
الكاثوليك: منذ القرن 11 بدأوا استخدام الفطير ويمنع الشعب من تناول الدم.
البروتستانت: يكون السر للذِّكرى فقط، فلا يعتبرونه تحوُّل حقيقي من الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه.
 الروح القدسالأرثوذكس: منبثق من الآب.
الكاثوليك: منبثق من الآب والابن.
البروتستانت: منبثق من الآب والابن.
 طبيعة المسيحالأرثوذكس: طبيعة واحدة للمسيح.
الكاثوليك: طبيعتان للمسيح.
البروتستانت: طبيعتان للمسيح.
 المجيء الثانيالأرثوذكس: مجيء ثاني علني للمسيح في الدينونة.
الكاثوليك: مثل الأرثوذكس.
البروتستانت: المجيء الثاني على دُفعات منها مجيء المسيح ليملك ألف سنة على الأرض (مثل الفكر اليهودي ولكن المسيح عند اليهود هو بشر يأتي ملكًا ليعيد لليهود مجدهم وانتصارهم)، ثم الدينونة.
 العذراء مريمالأرثوذكس: وارثة لخطية آدم مثل سائر البشر، وتحتاج لخلاص المسيح، ولكنها ولدته، ولها كرامة عظيمة. (لا تعتمد نظرية الكاثوليك “الحبل بلا دنس”، بل أنها انتصرت على الميل للخطية، وحبلت وولدت الإله).
الكاثوليك: مولودة دون أن تَرِث الخطية الأصلية “الحبل بلا دنس”، ولا تحتاج لخلاص المسيح ويكادوا يعبدونها (أي يبجلونها بصورة قد تكون زائدة). البروتستانت: ينكرون لقب والدة الإله وشفاعة السيدة العذراء وينكرون دوام بتوليتها.
 

[1]() يُنظر إلى: مشاهير الرجال، هيرونيموس، تعريب الأب جوزيف كميل جبارة، دار المشرق، بيروت، 2010، ص35، ومعجم الإيمان المسيحي، الأب صبحي حموي اليسوعي، مع مجلس كنائس الشرق الأوسط، دار المشرق، بيروت، 1994. ص14، 136. وتاريخ الفكر المسيحي، حنا جرجس الخضري، دار الثقافة، مصر، 2015، ج1، ص281،212، ومفتاح العهد الجديد، البابا تواضروس الثاني، بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة، 2013، ج1، ص165، وتاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، تعريب القس مرقس داود، مكتبة المحبة، 1979. والعهد الجديد والكتابات المسيحية المبكرة، بارت د. إيرمان، جامعة أكسفورد، الإصدار السادس، 2016، الصفحات من 6 :12.

 Bart D. Ehrman, The New Testament- 6TH ED.  New York, Oxford University Press, 2016.

[2]() يُنظر إلى: عصر المجامع، كيرلس الأنطوني، مكتبة المحبة، 2002. وعقائدنا المسيحية الأرثوذكسية، القمص بيشوي حلمي، مراجعة الأنبا بيشوي والأنبا موسى، دار نوبار، مصر، 2007. والمسيحية عبر تاريخها في المشرق، تحرير القمص الدكتور حبيب سعيد، د. سعاد سليم، د. جوزيف أبو نهرا، مجلس كنائس الشرق الأوسط، بيروت، لبنان، 2001. واللاهوت المقارن «الجزء الأول»، البابا شنودة الثالث، الكلية الأكليريكية للأقباط الأرثوذكس، مصر، 1992. وقوانين عصر المجامع، القمص صليب سوريال، الكلية الأكليريكية للأقباط الأرثوذكس، مصر، 1992.

[3]() أ. الطبيعة: هي طبيعة الإله وطبيعة البشر. أي إذا أكل المسيح فمن الذي يأكل؟ هل هو الإله أم الإنسان؟ حسب فكر القائلين بتجسد الإله في الإنسان، فالقائلون بطبيعتين يقولون: ليس الإله هو الذي يأكل، بل الإنسان. فجعلوا الطبيعة مثل ثوب يرتديه ويخلعه، فإن ذهب ليأكل قالوا: الإنسان هو الذي أكل أو الطبيعة البشرية «الناسوت»، وإن قام بمعجزة شفاء المرضى مثلًا قالوا: الإله هو من قام بها «اللاهوت». أما القائلون بطبيعة واحدة فيقولون: لا نفصل بين الطبيعتين، فلا نتكلم عن طبيعة ونترك الأخرى، وعندما يأكل نقول: ذهب ليأكل بدون القول «الإله أو الإنسان»، فنقول: إن المسيح له طبيعة واحدة بدون امتزاج ولا اختلاط بين الناسوت (الإنسان) واللاهوت (الإله).

ب. المشيئة أو الرغبة: وهي رغبة الإله أو رغبة البشر. أي إن أراد المسيح أن يذهب إلى مكان، فهل الذي أراد أو شاء الذهاب هو الإنسان أم الإله بفكرهم؟ وهناك أيضًا من قال بمشيئتين (إرادتين) للمسيح، واحدة إلهية والأخرى إنسانية، وهناك من قال: لا نفرق بين المشيئتين.

[4]() معجم الحروب، د. فردريك، جروس برس، لبنان، 1996، ص 323.

[5]() موسوعة قصه الحضارة، ول ديورانت، مجموعة مترجمين، دار الجيل، لبنان، ط1، 1992، جزء 14، ص 70، الهيئة المصرية العامة للكتاب. على الانترنت صفحة 4890 من الرابط:

http://www.civilizationstory.com/

[6]() معجم الحروب، م سابق، ص 228.

[7]() للمزيد يُنظر: كيف تطورت العلاقة بين اليهود والنصارى، سليمان الخراشي، روافد للطباعة، لبنان، 2009، ص 40-46.

[8]() مقدمة في الأصولية المسيحية في أمريكا، عادل المعلم، مكتبة الشروق الدولية، مصر، 2004، ص 90.

[9]() المصدر السابق، ص 168، نقلًا عن معهد جالوب 1990.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top